هل واقع الطفل اليوم في بوقيراط أفضل أم يزداد تدهورا ؟
الرأي الأول: مستواه وظروفه اليوم أفضل بكثير.
شتان بين الظروف القاهرة التي تربت فيها الأجيال السابقة والنعيم الذي يعيشه أطفال اليوم، فسابقا كانوا يقطعون المسافات الطويلة مشيا على الأقدام للوصول إلى المدارس الابتدائية، هاته الأخيرة كانت غير منتشرة مثلما الحال عليه اليوم في كل دوار، كانت الكتب المدرسية نادرة وباقي الوسائل شبه مفقودة، محرومين تماما من كل وسائل الترفيه ولا يتوفر عليها إلى القليل منهم، لم تكن هناك جمعيات لأولياء التلاميذ لتدافع عن حقوقهم، كانت ظروفهم المعيشية جد مزرية مما جعل الكثير من أوليائهم يُجبَرون على منعهم مواصلة الدراسة، ويوجهونهم لرعي الغنم ومساعدتهم على العمل الفلاحي، القلة المحظوظة كانت تدرس في المدارس القرآنية وفي ظروف صعبة، لكن ذلك لم يكن لينجيهم من مساعدة أوليائهم.
لم يكن للطفل في بوقيراط معنى للعطل لأنها لا تأتي بالجديد، تتوالى أيامهم وكلها تتشابه، لم يكونوا يسمعون بالطبيب وكانت الأمراض المعدية تفتك بهم.
القليلون الذين كانوا ينجحون في التغلب على هذه المصاعب ويوفقون في الانتقال إلى الثانوية، يتنقلون إلى عين تادلس أو مستغانم لأن بوقيراط لم تكن تتوفر على ثانوية، وهناك كانت تبدأ قصة أخرى أكثر مشقة.
أما اليوم فواقع الطفل أفضل بكثير ويعيش ظروفا أحسن تمكنه من تقديم الأفضل.
الرأي الثاني: واقع صعب يؤثر سلبا عليه.
حقيقة أن الطفل اليوم في بوقيراط ينعم بكل الوسائل التعليمية والترفيهية التي لم يكن يحلم بها طفل الأمس، فقبل بلوغه سن التمدرس يمكن له الالتحاق بالحضانة أو التحضيري، كما تتوفر البلدية على 21 مدرسة ابتدائية، أربع متوسطات وثانوية، إلا أن هذه المعطيات الإيجابية لا تمثل سوى النصف المملوء من الكأس، أما نصفه الآخر فيعكس ما يُهدده من مخاطر ويسير به إلى الهاوية، فالتكنولوجيا الحديثة أفقدته ذكائه وأصبح لا يستطيع حتى الحساب بدون آلة حاسبة، أما الانترنيت أفسدت أخلاقه وقيمه، فتراه يقبع لساعات طويلة أمام الشاشة ليلعب كأضعف شيء حتى لا نقول يُبحر في مواقع غالبا ما تكون سلبية، يُطالبه أستاذه ببحوث فيجدها جاهزة عند أصحاب مكاتب الإعلام الآلي، دون أن يقرأها يقدمها لأستاذه وهذا الأخير بدوره لا يقرأها وكأنهما متفقين على تنفيذ البرنامج التربوي وإصلاحاته وفقط، أساتذة ومعلمون يتغنون بالشهادة دون أي مستوى، تلميذ في السنة الثانية ابتدائي لم يُحسن نطق الألف بعد مطالب بتعلم لغة أخرى، مشاغل الأولياء ومشاكلهم كثيرة تجعل من الأطفال عُرضة لشارع لا يرحم، أولياء يحرمون أبنائهم من منحتهم، فضائيات تغزوا البيوت وتروج لأفكار منافية لديننا لكنها في ظل تجاهل الأولياء وغياب الرقابة تستهوي الأطفال.
تباً لهذه الظروف المنمقة المزيفة التي يُحسَدون عليها، ويا حسرتاه على مستوى تلامذة وأساتذة الأمس.
الوسطية:
لا يختلف اثنان في أن طفل اليوم ببوقيراط يعيش حياة أفضل لما يتوفر له من وسائل تساعده على تنمية قدراته وتفجير مواهبه، تجهيزات تمكنه من متابعة أحدث البرامج التعليمية، التربوية، التثقيفية وغيرها في أي مكان وفي أي زمان، لكن سوء استغلال هذه التكنولوجيا ينعكس سلبا على الطفل ويجعله يوظف طاقاته فيما لا يحسد عقباه..
طفل اليوم يحتاج لأن يتسلح بعزيمة وإرادة من سبقه، يحتاج لمشرف مؤهل واع بمسؤوليته ورسالته، يحتاج لولي يتبنى أفكاره وينير له دربه، وهذا دون أن ننقص من قيمة أي أحد، بهذا سيكون مستوى الطفل أفضل في جميع المجالات..
ركن "الوسطية" مجلة أمل. إعداد محمد أمين تكوك